الجمعة، 31 مايو 2019

قبعة السعادة

قبعة السعادة.. 
كنت أبلغ من العمر 8 سنوات حينما وعدني والدي بقبعة صيفية كالنوع الذي في الصورة شكلا، أما لونا وبهجة واشعاعا فتلك حكاية اخرى من حكايا الغبطة الأبدية، لقد كانت اول قبعة اعتمرها فوق رأسي الكث الشعر خشنه، لقد كان اكبر همي ايام الوعد الموعود اعتمار القبعة والتسكع بها وسط اقراني في خيلاء..تماما كزعماء الهنود الحمر بريش الطيور وقد طأطأ القوم رؤوسهم في خشوع وجلال.
من بين سنوات عمري الثلاثون ويزيد كانت تلكم اللحظات فارقة في حياتي، لازالت ذكرياتها الراسخة تخالجني كلما قرأت لحنين الماضي وسمعت عن ذكريات الاقران، وكلما تحسر الباكون على جدران الازمان، كانت تلك اللحظات تتمثل بمعانيها وتستحضر بمشاعرها...
لازالت طرقات الباب للبشير تطرب أذناي، ولازالت ألوان السعادة تملأ عيناي، فلما رماها علي ارتددت بصيرا بعد ان امسكتها بيمناي..
قبعة ليس كالقبعات لازالت تفاصيل تصميمها حاضرة وكأنها طبعت في المنطقة الرمادية بختم من أزل.. 
ادركت متأخرا ان ما شعرت به وانا بن الثمان سنوات هو ما يسمونه السعادة بتجلياتها الحقيقية، وأن ما دون ذلك فهو عبثية زائلة ومشاعر بالية لا ترقى لما بلغته ولا تسمو لما عايشته..سعادتي بالقبعة مذ ذاك غير قابلة للقياس فهي سرمدية أبدية ملأت عوالم الكون قبل الأرض، لازالت اطيافها تزورني كلما كان للروح نصيب من صلة الارحام، تناجي ذكرياتها وتدعوهم لإيناس وحدة أو مواساة عزلة في ضجيج الحياة. 
ليست سحرية ولا أسطورية، ولا هي غير عادية، الارجح انها كانت معروضة في سوق للعوام، بل وربما مرمية مهملة في زاوية من زوايا سوق المجد، مجد صنعه لها معتمرها، فقد تبادلنا في عقد شرفي دون مراسيم ولا بروتوكولات عهد الأمجاد، على ان لا ينسى كلانا صنيع المحب لحبيبه، والسلطان لسيفه، فلا سعادتها الابدية ستزول ولا مجدها المشرق للزوال سيؤول..
انها قبعة السعادة تلك التي علمتني معنى السعادة يوما والى اليوم ابتسم كلما تذكرت البشرى، "هاك كاسكيطتك".
من ذكريات الطفولة #المنتقد


الوعي الزائف.

لطالما قرأنا في هدا الفضاء الافتراضي وحتى في واقعنا اليومي في حلقات ونقاشات المثل العليا المتجردة من أحكام المنطق و الواقع المرير أن الحياة الجيدة صنيعة الناس وسرها يكمن في مفاهيم "النجاح"، " التفاؤل"، "الإرادة والعزيمة" وغيرها من المفاهيم الغائبة عن واقعنا...
إن جدلية النجاح والفشل، والضعف والقوة، والإرادة والتراجع وتحقيق الأحلام والواقع التي يتغنى بها البعض إنما هي استهلاك فكري مستورد أيضا يضيفها الناس الى رصيد السلع والافكار المستوردة في حياتهم، فهده الشعارات الرنانة والجميلة التي تطرب مسامع المعذبين في الأرض بعيدة المنال وليست بالبساطة التي يعتقدها المرددون لها لمجرد أن صدف الحياة الجميلة كانت في صفهم ومقادير الحياة كتبتها لهم في يوم ما... إن البيئة التي نعيش فيها لا تساعد على تبني هدا الفكر المشرق، فالانسان ابن بيئته، وما جاءت هده الشعارات إلا من بيئة حضارية يعتبر فيها النجاح شيئا عاديا يستحقه كل البشر وكل من لديه فرصة العيش في هده البلدان، بيئة مليئة بالمحفزات المادية والمعنوية التي تصنع الانسان.. لقد درجنا على استنشاق السلبيات في بلادنا في كل المجالات  وألفنا الرداءة على كل المستويات ورأينا وسمعنا المحبطين الفاشلين الفاسدين يسيطرون على مقدراتنا كلما سنحت لهم الفرصة، و سمحنا لأنفسنا أنهم أولياء أمورنا ومسؤولونا، واكتسح الفشل مؤسساتنا وعقلياتنا وجماهيرنا وارتضينا الرداءة في بيئتنا ، فأنى للناجحين ان يستمروا والفاشلين ان ينجحوا ؟
لا شك أن ترديد الشعارات المنبعثة من على رؤوس الألسن فقط لن تغير شيئا ما لم يكن هناك بيئة مساعدة ومرنة في مجتمعنا توفرها مؤسسات الدولة والمجتمع المحلي، ليس فقط البيئة بل تغيير شامل .في العقليات والذهنيات ولاشك أن البداية يجب أن تبدأ من المدرسة والأسرة..
قد يكون تشاؤما مباحا مبالغا فيه، لكنني اعتقد انها الحقيقة التي نريد طمسها بالشعارات الالكترونية المنسوخة الملصوقة، حياتنا معقدة جدا وبلادنا غارقة في فساد البر والبحر، أعتقد أن النجاح يبدأ بمصارحة أنفسنا بعيدا عن تفاؤلات التجارب الشخصية المعزولة حين كان للقدر نصيبا كبيرا في صناعة النجاح والتفاؤل والقوة وصناعة الواقع المشرق..مصيبتنا أعمق واشمل إنها في عقول البشر، إنها في محيطنا وبيئتنا الفاشلة وواقعنا الصعب.
ح. م