قبعة السعادة..
كنت أبلغ من العمر 8 سنوات حينما وعدني والدي بقبعة صيفية كالنوع الذي في الصورة شكلا، أما لونا وبهجة واشعاعا فتلك حكاية اخرى من حكايا الغبطة الأبدية، لقد كانت اول قبعة اعتمرها فوق رأسي الكث الشعر خشنه، لقد كان اكبر همي ايام الوعد الموعود اعتمار القبعة والتسكع بها وسط اقراني في خيلاء..تماما كزعماء الهنود الحمر بريش الطيور وقد طأطأ القوم رؤوسهم في خشوع وجلال.
من بين سنوات عمري الثلاثون ويزيد كانت تلكم اللحظات فارقة في حياتي، لازالت ذكرياتها الراسخة تخالجني كلما قرأت لحنين الماضي وسمعت عن ذكريات الاقران، وكلما تحسر الباكون على جدران الازمان، كانت تلك اللحظات تتمثل بمعانيها وتستحضر بمشاعرها...
لازالت طرقات الباب للبشير تطرب أذناي، ولازالت ألوان السعادة تملأ عيناي، فلما رماها علي ارتددت بصيرا بعد ان امسكتها بيمناي..
قبعة ليس كالقبعات لازالت تفاصيل تصميمها حاضرة وكأنها طبعت في المنطقة الرمادية بختم من أزل..
ادركت متأخرا ان ما شعرت به وانا بن الثمان سنوات هو ما يسمونه السعادة بتجلياتها الحقيقية، وأن ما دون ذلك فهو عبثية زائلة ومشاعر بالية لا ترقى لما بلغته ولا تسمو لما عايشته..سعادتي بالقبعة مذ ذاك غير قابلة للقياس فهي سرمدية أبدية ملأت عوالم الكون قبل الأرض، لازالت اطيافها تزورني كلما كان للروح نصيب من صلة الارحام، تناجي ذكرياتها وتدعوهم لإيناس وحدة أو مواساة عزلة في ضجيج الحياة.
ليست سحرية ولا أسطورية، ولا هي غير عادية، الارجح انها كانت معروضة في سوق للعوام، بل وربما مرمية مهملة في زاوية من زوايا سوق المجد، مجد صنعه لها معتمرها، فقد تبادلنا في عقد شرفي دون مراسيم ولا بروتوكولات عهد الأمجاد، على ان لا ينسى كلانا صنيع المحب لحبيبه، والسلطان لسيفه، فلا سعادتها الابدية ستزول ولا مجدها المشرق للزوال سيؤول..
انها قبعة السعادة تلك التي علمتني معنى السعادة يوما والى اليوم ابتسم كلما تذكرت البشرى، "هاك كاسكيطتك".
من ذكريات الطفولة #المنتقد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق