الاثنين، 18 فبراير 2019

المرأة في غياهب التّسليع..بين الامس واليوم

لا شك من ان الصراع بين الجنسين والمتجذر عبر التاريخ او كما اريد له ان يكون " صراعا" رغم ان الفطرة الانسانية الصحيحة لم تخلق للصراع بين الجنسين، لانهما عنصرا جذب لبعضهما البعض وجدا للتكامل الشعوري والوظيفي، ومن اجل احقاق سنة الله الكونية في نسل البشر و عدم الفناء والاستمرار على هذا الكوكب الى ان يريد الله شيئا كان مفعولا...
قصة الذكر والانثى تلك التي بدأت في الجنة بعدما خلق الله ابانا ادم عليه السلام ثم آنسه بأمنا حواء التي خلقت من ضلعه من اجل ان تكون انيسا له يتمتعان في الجنة حيثما يشاءان الى ان ازلهما الشيطان فوقعا ضحية وسوسته وكانا من الخاطئين فاخرجهما منها نحو الدنيا كي يذوقا وبال فعلتهما..
ان المتدبر في قصة ابوينا ادم وحواء مع الشيطان يدرك ان صراع الانسان الحقيقي ليس بين جنسي البشر وإنما بين الشيطان والبشر بجنسيه الذكر والأنثى..
بعد تطور المجتمعات الانسانية التي وصلت الى ما وصلت اليه اليوم في شتى المجالات، قام الانسان وعلى مر العصور بالبحث دائما عن التغيير..تغيير اسلوب الحياة وعناصرها التي تشمله من اجل حياة افضل، ولا يزال الانسان منكبا على ذلك الى ان يرث الله الارض ومن عليها لان الطبيعة البشرية فضولية ميالة للاكتشاف والابتكار والتغيير والتجديد الذي قد يناقض طبيعته احيانا.وفي خضم شغف الانسان للتغيير والخروج عن المألوف، ليس فقط فيما يخص الجانب المادي بل تعدى ذلك الى الجانب النفسي والاجتماعي، برزت خلال القرن الاخير بعض الافكار الشاذة الميالة الى تغيير المفاهيم وخلط الافكار وتحريفها من الطبيعة الى التخريف ، ومن الفطرة السليمة الى الشذوذ المنحرف، ولا شك من ان هذا الفكر فرض سطوته على المجتمعات وجعل له مكانا بين الافكار او ما يسمى المبادئ العالمية المشتركة بل وتجذر حتى اصبح هو الاصل وما خالف تقليد ، حتى اصبح مقياسا ومعيارا ،  -الجهل والرجعية سمة من يخالفه - .
إن اجتماع العالم على مبادئ معينة لا يعني بالضرورة مصداقيتها وصحتها، فعالم اليوم المتغير والمتجدد والمبني على المصلحية والبرغماتية لا يتخذ من معايير الخير والشر مبادئ له دائما، بل ينظر لعالم الاشخاص والاشياء من منظار الربح والفائدة وما عدا ذلك فهو مضيعة للوقت والجهد، لذا وجب التنبيه لهذا الموضوع لأنه يعطي للناقد هامشا من التحرر من قيود ما يسمى بالقوانين الوضعية والمبادئ العاليمة، ويصبح مستقلا في احكامه القيمية لا ينبغي للمبادئ الوضعية المحايدة ان تصنع رؤيته للعالم، بل يستسلم للمنطق والفطرة الانسانية السليمة التي ومن المؤكد انها لن تكون في صفّ اي رأي او فكرة بل تستسلم للحقيقة الكونية..
لا شك في ان بداية المجتمعات البدائية هي الوعاء الاول والاخير للدارس لأي ظاهرة انسانية ففي تلك الحقبة كان الانسان حرا متجردا من أي قانون وضعي وحتى في بعض الحقب من دون دين سماوي..
وبناءا عليه فإن هذه المجتمعات بظواهرها الانسانية وثقافاتها المادية والمعنوية تشكل افضل وعاء للدارس لأوضاعنا في هذه الأيام، لذلك ارتأيت أن ابني مقاربتي البسيطة على ضوء المجتمع البشري في بعض الفترات التاريخية على الاقل قبل القرن 19 ،
وقد تناولت فيها جزئية دور ووظيفة المرأة والرجل وما يثار حولهما اليوم من زوابع وصراعات ومفاهيم وافكار يقال عنها انها ثورية على زعم اصحاب نزعة الحداثة أو كما يحلوا للبعض تسميتهم ممن أرادوا وكان لهم ذلك في تغيير مواقع ووظائف الجنسين فعبثوا بالوعي العالمي، الى ان عبثوا بالجنس البشري فيما يبدوا انه تغير مجتمعي مخطط له وليس تغير اجتماعي طبيعي في اطار سيرورة التاريخ كما حدث من قبل.
الرجل والمرأة او الذكر والانثى...لقد خلق الله هذين الجنسين وأورثهما الأرض كي يصيبا منها ويعمرا فيها اجلا معلوما، وسنة الله في خلقه -اي في البشر- التكاثر وتعمير الارض وما يتبع هاتين الوظيفتين من نتائج تشكيل المجتمعات والشعوب، ولا شك ان اسمى هدف لهذا الجنس هو عبادة الله الذي لا اله إلا هو والامتثال للشرائع السماوية التي جاء بها الانبياء والرسل على مرالعصور...في خضم الاهداف السامية التي وجد من اجلها الذكر والانثى ونظرا لطبيعتهما المختلفة فيزيقيا ونفسيا وشعوريا، استدعت الفطرة البشرية الدور التكاملي والتكافلي لمواجهة صعوبات الحياة وقد اقترن الجنسين بمفاهيم الحب والرغبة والمشاعر والزواج و الاسرة التي تعتبر اللبنة الاساسية للمجتمعات.
الاسرة تلك النواة الاولى لتشكيل الشعوب والمجتمعات والتي ظهرت مع ظهور اولى المجتمعات البشرية البدائية بعناصرها الثلاث الاب والام والابناء والتي لا زالت تحتفظ الى يومنا هذا بالخصوصية ذاتها والعناصر ذاتها فهي مبدأ ثابت لا يمكن تغيير مفهومه رغم ان العصر الحديث شهد الكثير من محاولات تشويه بنية المجتمع بدءا بمحاولة العبث بطبيعة الاسرة ومفهومها المحوري الثابت الى مفاهيم شاذة خارجة عن الطبيعة ومشوهة للفطرة الصحيحة بدءا بتدمير الرباط المقدس بين الرجل والمرأة وانتهاءا بزواج المثليين والشواذ واقرار حق هذه الفئات الشاذة ضمن قوانين البلدان بل ومحاولة فرض حقوق هذه الفئة على كل دول العالم من خلال ضغوطات الجمعيات والهيئات الناشطة في هذا المجال تحت غطاء حقوق الانسان والحريات العامة وليس الامر مستبعد ان يتم اقرارها كمبادئ عالمية موجبة التطبيق والاحترام..
بطريقة تلقائية توزعت الادوار الوظيفية للجنسين الانثى والذكر خلال الحقب الاولى للانسان.. الرجل البدائي كان يضطلع بواجبات الصيد و تأمين الغذاء للاسرة والقبيلة وكذا دور الحماية والدفاع عن القبيلة في المقابل كانت المرأة تضطلع بمهام رعاية الصغار وتغذيتهم بالاضافة الى بعض المهام في محيط القبيلة غالبا ما كانت لا تخرج عن اطار الاسرة او التجمع القبلي..
وفي فترات اكثر تقدما من المجتمع البدائي بقيت ادوار الجنسين تراوح مكانها...فعند تشكل المجتمعات الزراعية كان دور الرجل ينحصر ايضا في الاشتغال بالزراعة، وخدمة الارض، والرعي،وبيع ومقايضة المنتجات الزراعية لتوفير الغداء للاسرة حيث كانت معظمها اشغال تتماشى وطبيعة الرجل الخشنة لما فيها من مشقة تتوافق مع تكوينه الفيزيولوحي، وانحصر دور المرأة في نفس الفترة في رعاية الاسرة وما يتبعها من وظائف ثانوية كالطبخ ورعاية الابناء وصناعة بعض الادوات الخاصة بالمنزل والغزل..
وقد بقي دور المرأة والرجل على مر العصور يراوح مكانه حيث يثبت المؤرخون بما لا يدع مجالا للشك ان ادوار كلا الجنسين لم يقترنا ببعضهما البعض واحتفظ كل جنس بدوره الفطري..
ففي القرون الوسطى وبعد تطور الحرف وظهور بعض المهن احتفظ الرجل بدوره المحوري والخارجي والمتمثل اساسا في الرعاية الاقتصادية والمادية للاسرة والاشتغال لتوفير لقمة العيش فقد اشتغل الرجل في القرون الوسطى في مختلف المهن والحرف وكذا في الزراعة والمصانع التي كانت حديثة الظهور..وبقي دور المرأة انذاك منحصرا ضمن محيط الاسرة بداية من تربية الابناء الى الاهتمام بالبيت والزوج وكل متطلبات الاسرة واحيانا كان دور المرأة يتسع قليلا الى مشاركة الازواج في جني المحاصيل ضمن الاراضي الموجهة للاستهلاك المحلي و التي لا توجه محاصيلها للبيع والتجارة فهي محاصيل محدودة يتم جنيها من اراضي زراعية عائلية صغيرة..بالاضافة الى غزل النسيج..
وكما هو ملاحظ فإن نشاط المرأة ودورها لم يرتبط ابدا بالربح التجاري ،ولم يكن نشاطا مستقلا لتحقيق اهداف خاصة او لتحقيق استقلالية مالية للخروج من سلطة الرجل كما يتم الترويج له اليوم بشكل واسع، فقد كان مكملا لدور الرجل وكان يدور في فلك الاسرة والقبيلة ولم يكن هدفه تجاريا او ربحيا لأنه كان دور وظيفي اجتماعي يتطابق مع طبيعة المرأة الفيزيولوجي والوجداني على نقيض دور الرجل المتمثل في الاشتغال من اجل توفير الغداء والامان للاسرة والرعاية الاقتصادية والامنية..
وكما اشرنا سابقا انه ينبغي الحكم على الشيء في أوله عندما يتجرد من المؤثرات الخارجية، فإن الحكم على دور الجنسين يمكن استنباطه من خلال المجتمعات الاولى او على الاقل مجتمعات ما قبل الحداثة والتي كانت تسير على سجيتها دون تدخل خارجي او ايديولوجي مخرب..
اذ انه لا يمكن اغفال دور المرأة في المجتمع ولا الانتقاص منه لمجرد انه لا يخرج من نطاق الاسرة والقبيلة، حيث يعتبر دورا جوهريا ومحوريا لا يسعنا المقام ها هنا لذكر اهميته ويكفي الاشارة الى ان الاسرة هي نواة المجتمع كي يتضح هذا الدور جليا..
دون شك فإنه تم التلاعب بالمفاهيم وإشكالها في المجتمع الحديث،وفي خضم التطور السريع للعالم الحديث المبني على البراغماتية خاصة المجتمعات الغربية التي عملت على تشويه دور المرأة واخراجها من الجور الطبيعي الذي وُجدت له من اجل تحقيق اهداف لا يمكن وصفها إلا بالتجارية..
ولا شك من أن أي مقارنة خاصة بوظيفة المرأة ودورها الاجتماعي بين عالم اليوم والعصور الماضية سيكون مضيعة للوقت بسبب تقلص القواسم المشتركة بشكل كبير ان لم نقل انعدامها، حيث طغت المبادئ المادية للعصر الحديث على القيم الاجتماعية والاخلاقية، ورغم ان التراكمات التاريخية المعززة للدور الطبيعي والفطري للمرأة كبيرة إلا ان حجم التغيير الاجتماعي والثقافي خلال القرن 20 و 21وفي فترة وجيزة قلب كل الموازين واستطاع طمس الحقائق وتزييفها..وقد اثبتت الكثير من التقارير والدراسات ان الحقوق والحريات المزعومة خاصة في الدول الغربية من خلال ترسانة القوانين ما هي الى غطاء لسياسات متوحشة تلقي بالمرأة الى غياهب التسليع من اجل مجارات هذا العالم الاقتصادي المتجدد الذي يبحث عن الرفاهية والغارق في القيم المادية.
ويبقى النموذج الاسلامي الموافق لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية السمحة افضل وأكمل نموذج يحافظ على توازن المجتمع ويوازن بين الأدوار المبنية على التكامل والتكافل الاسري والاجتماعي رغم انني لم اتطرق اليه من خلال المقال، لأن المقام لا يتسع لذلك ويحتاج الى تفصيل كبير، فارتأيت تناول الموضوع من الجانب الاجتماعي بشكل عام ولي عودة في ذلك .

ح/م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق